منتديات الحقلة

منتديات الحقلة (http://www.alhaqlah.com/index.php)
-   منتدى القرآن الكريم والتفسير (http://www.alhaqlah.com/forumdisplay.php?f=89)
-   -   شرح حديث: (مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللّه (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=127720)

طالبة العلم 12-05-2022 11:32 AM

شرح حديث: (مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللّه
 
شرح حديث:

(مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللّهُ وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا)


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ. فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْعَبَّاسُ رَضِيَ اللّهِ عَنْهُمَ عَمُّ رَسُولِ اللّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ: «مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللّهُ وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا. قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَهِيَ عَلَيَّ. وَمِثْلُهَا مَعَهَا». ثُمَّ قَالَ: «يَا عُمَرُ أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟».


شرح ألفاظ الحديث:
(( فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْعَبَّاسُ )): (فَقِيلَ) لم يُعيَّن القائل هنا إلا أن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا)، يدل على أن القائل جماعة وليس واحدًا، فقالوا: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس الزكاة فلم يدفعوها.


(( مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللّهُ )): (مَا يَنْقِمُ) بكسر القاف وفتحها والكسر أشهر وأفصح، والمعنى: ما يريد أو ما ينكر ابن جميل إلا أن كان فقيرًا فأغناه الله، وعند البخاري: (فأغناه الله ورسوله)؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان سببًا لدخوله في الإسلام، فأصبح غنيًّا بعد فقره، بما أفاء الله على رسوله وأباح لأمته من الغنائم.


وهنا النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعتذر لابن جميل، بل بيَّن أنه يجب عليه دفع الزكاة، فلا عذر له في منعها، فقال: (( مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللهُ))، وهذا أسلوب يسميه البلاغيون تأكيد المدح بما يشبه الذم.


(( احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللّهِ )): (احْتَبَسَ)؛ أي حبس، و( أَدْرَاعَهُ) جمع درع، و(أَعْتَادَهُ) جمع عتد - بفتح العين والتاء - وأيضًا عتاد، ويجمع على أعتاد وأعتدة، وقال أهل اللغة: الأعتاد: آلات الحرب من السلاح والدواب وغيرها؛ [انظر شرح النووي لمسلم 7 / 60 ].


(( عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ )): أي مثل أبيه في المنزلة والتعظيم، وصنو أبيه؛ أي يرجع الأب والعم إلى أصل واحد ومنه.


قوله تعالى: ﴿ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ [الرعد: ٤].


من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: في الحديث دلالة على أن للإمام أن يبعث من يأخذ الزكاة من أهل الزكاة، كما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- عمر - رضي الله عنه - على ذلك، وهذا معروف من عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليوم.


الفائدة الثانية: في الحديث دلالة على أن منع الزكاة منكر عظيم وأنه يُشكى إلى من هو أعلى، ولا يُتستر عليه إذا عُلم أنه منعها حقًّا، كما شُكِيَ على ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس.


أما ابن جميل فلم يعتذر له النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه لا عذر له بخلاف العباس وخالد بن الوليد - رضي الله عنهما -كما سيأتي.


بل بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حق ابن جميل ما يدل على قُبح من يجحد نعمة الله عليه، فالمال مال الله هو الذي أغناه بعدما كان فقيرًا، ثم يمنع حق الله فيه، فلا يخرج الزكاة، وسيأتي قريبًا جزاء مانع الزكاة في الآخرة.


وأما خالد بن الوليد - رضي الله عنه - فاعتذر له النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن ما عنده من أعتاد وأدراع ليست له، وإنما أوقفها في سبيل الله فليس فيها زكاة، ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا".


وقيل: أن خالدًا - رضي الله عنه - لَما طلبوا منه الزكاة لم يدفعها إليهم؛ لأنه رأى أن دفع الزكاة في الجهاد في سبيل الله أحوج، فرأى أن يصرفها فيه، فاشترى ما يصلح للجهاد؛ [انظر المفهم للقرطبي 3 / 16].

وأما العباس- رضي الله عنه - فاختلف في سبب المنع على قولين:
الأول: لأن العباس - رضي الله عنه - تعجَّل دفع الزكاة؛ أي دفعها قبل أوانها، لما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث علي - رضي الله عنه - أن العباس - رضي الله عنه - سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعجيل صدقته قبل أن تحلَّ، فرخَّص له في ذلك"، واختلف في صحة الحديث؛ لأن في سنده حُجَيَّة بن عَدِي الكنوي، والحديث حسَّنه البغوي وأحمد شاكر والألباني.


وقال ابن باز: "هو حديث جيد لا بأس بإسناده"؛ [انظر شرح السنة للبغوي حديث رقم (1577)، وانظر إرواء الغليل للألباني (3 / 346 )].


وفي رواية أبي عبيد [في الأموال ص 1885] أن العباس - رضي الله عنه - تعجَّل سنتين، فأخذ الفقهاء من هذا جواز تعجيل الزكاة للمصلحة؛ كحصول آفة أو مجاعة، أو احتاج إنسان لمال في عملية جراحية اضطر إليها وليس عنده مال، ولو تأجلت لتضرَّر، أو ربما يحصل مع تأجيله وفاة، ولو أعطيته زكاة سنة لا تبلغ القيمة، وليس عنده مَن يعطيه، فتعجل له الزكاة، أو كأن تصيبه آفة تضره ونحو هذا، فلا بأس بتعجيل الزكاة، ومثلة من عجَّل زكاته قبل حلولها بخمسة أشهر أو نحوها لحاجة، لو أخَّرها إلى تمام الحول لتضرر المحتاج، وتعجيل الزكاة يشترط له العلماء وجود النصاب، أما إذا لم يبلغ النصاب، فلا يصح أن يعجلها كمن يكون عنده (180 درهمًا )، ويريد أن يزكي عن (200 درهم )، فهذا لا يصح؛ لأن النصاب عنده لم يبلغ، وبلوغ النصاب سبب لا بد منه للزكاة، وتقديم الشيء على سببه لا يصح، وهذا مبني على قاعدة ذكرها ابن رجب (في القواعد الفقهية ص (6 )، وهي (أن تقديم الشيء على سببه ملغى، وتقديمه على شرطه جائز)، وسبب عبادة الزكاة بلوغ النصاب وشرطها مضي الحول.


إذًا مما اعتُذِر به للعباس أن عجَّل زكاته عن وقتها، وهذا هو القول الأول في سبب منعه.


والقول الثاني: أن السبب في منع العباس - رضي الله عنه - للزكاة هو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تحمَّلها عنه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (( فَهِيَ عَلَيَّ، وَمِثْلُهَا مَعَهَا))، وهذا القول هو الأظهر والله أعلم؛ لأن العباس - رضي الله عنه - لو كان قد تعجَّلها في هذا الحديث، لبيَّن لهم سبب المنع، ولم يشكوه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقولون عنه أن منع الزكاة، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخر الحديث: (أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ)، مشعرٌ بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- تحمَّلها عن عمه العباس احترامًا له وتقديرًا وإكرامًا.


الفائدة الثالثة: حديث الباب من الأدلة التي استُدِل بها على وجوب الزكاة في عروض التجارة، ووجه ذلك أنهم طلبوا من خالد بن الوليد - رضي الله عنه - عنه زكاة أعتاده وأدراعه ظنًّا منهم أنه اتَّخذها للتجارة؛ قال النووي: "استنبط بعضهم من هذا وجوب زكاة التجارة، وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف خلافًا لداود"؛ [في شرح مسلم 7 / 60].

الفائدة الرابعة: في الحديث دلالة على جواز، بل مشروعية وقف الإنسان شيئًا من ماله في سبيل الله في المشاريع الخيرية ونحوها، والوقف: هو حبس عين (من مال أو بناء أورهن ونحوه)، وعدم التصرف بها مع التصرف بمنافعها في مجالات الخير، فينبغي للمسلم أن يحرِص على أن يجعل شيئًا موقوفًا في سبيل الله ولو كان يسيرًا، وخالد بن الوليد - رضي الله عنه - أوقف أدراعه وأعتاده في سبيل الله، وهذا الوقف في حديث الباب يدل على أمرين:
الأول: أن الشيء الموقوف لا زكاة فيه، فالوقف لا يُزكى؛ لأن الوقف كله في سبيل الله، ويدل على ذلك اعتذار النبي -صلى الله عليه وسلم- لخالد - رضي الله عنه - في دفع الزكاة في أعتاده وأدراعه؛ لأنها موقوفه في سبيل الله.


والثاني: صحة وقف المنقول، والوقف نوعان - كما سيأتينا في بابه بإذن الله تعالى - وقف عقار ووقف منقول، فالعقار هي الأرض وما يتصل بها كالبناء والغراس ونحوهما، والمنقول هو ما سوى العقار مما ينُقل كما أوقف خالد بن الوليد أعتاده في سبيل الله، والقول بصحة وقف المنقولات هو قول جمهور العلماء خلافًا للأحناف.


الفائدة الخامسة: في الحديث دلالة على الذب عن أعراض أهل الفضل حين يذكر ما ليس فيهم من العيوب، والاعتذار عنهم.


الفائدة السادسة: في الحديث بيان مكانة العم وأنه مثل الأب في المنزلة والتقدير.


الألوكة

ابو يحيى 12-05-2022 10:19 PM

رد: شرح حديث: (مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ ا
 
جزاك الله خير الجزاء
ونفع بك وبعلمك


الساعة الآن 08:38 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant