منتديات الحقلة

منتديات الحقلة (http://www.alhaqlah.com/index.php)
-   منتدى القرآن الكريم والتفسير (http://www.alhaqlah.com/forumdisplay.php?f=89)
-   -   تفسير قوله تعالى ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّ (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=127216)

طالبة العلم 07-01-2022 11:59 AM

تفسير قوله تعالى ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّ
 
تفسير قوله تعالى

﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ... ﴾



قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [البقرة: 83].

قوله: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ أي: واذكروا حين أخذنا في التوراة ميثاق بني إسرائيل آبائكم وسلفكم أي: حين أخذنا عهدهم المؤكد.

وتكلم عز وجل عن نفسه بضمير العظمة؛ لأنه العظيم سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]، وقال تعالى: ﴿ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الجاثية: 37]، وقال عز وجل في الحديث القدسي: "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري"[1].

وفي الإظهار في قوله: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ بدل الإضمار حيث لم يقل: "وإذا أخذنا ميثاقكم" إشارة إلى الرابط بين السابق منهم واللاحق نسبًا ودينًا، وأن العهد على السابقين منهم عهد على اللاحقين.

﴿لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾.

هذا بيان وتفصيل للميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل وتحته ثمان وصايا، وهي: إخلاص العبادة لله، والإحسان إلى الوالدين، والإحسان إلى ذي القربى، والإحسان إلى اليتامى، والإحسان إلى المساكين، وأن يقولوا للناس حسنًا، وأن يقيموا الصلاة، وأن يؤتوا الزكاة، وبهذا أمر الله عز وجل وأوصى جميع خلقه.

قوله: ﴿ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ﴾.
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء "لا يعبدون"، وقرأ الباقون بالتاء: "لا تعبدون" أي: لا تعبدون سوى الله، أي: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئًا.

وبهذا أرسل الله جميع الرسل، وبه أمر جميع الخلق، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].

وهذا هو أول الحقوق وأعلاها، وأعظمها وأبينها حق الله عز وجل، وهو توحيده وعبادته وحده لا شريك له، والذي لا تقبل الأعمال بدونه، وضده الشرك الذي هو أعظم الذنوب وأظلم الظلم.

﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ بعد أن ذكر حقه عز وجل الذي هو أعظم الحقوق- ذكر حقوق خلقه، وبدأها بحق الوالدين الذي هو من أعظم وآكد الحقوق، فقال تعالى: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ أي: أحسنوا بالوالدين إحسانًا، والإحسان نهاية البر، وذلك بأداء حقوقهم الواجبة والمستحبة: قولًا وفعلًا وبذلًا، وغير ذلك، وهذا يتضمن النهي عن الإساءة إليهما من باب أولى.

و"الوالدين" هما الأب والأم، أما الأم فهي الوالدة، كما قال تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ [البقرة: 233]، وأما الأب فسمي والدًا من باب التغليب؛ لأن الولد منه ومن الوالدة[2].

ويدخل في قوله: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ الأجداد والجدات، لكن كلما كان الوالد أقرب كان حقه أعظم وأوجب.

وقد قرن الله عز وجل حق الوالدين بحقه في هذه الآية، وفي مواضع كثيرة في القرآن الكريم؛ لعظيم حقهما، وسيأتي بسط الكلام في ذلك في سورة النساء في الكلام على قوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ﴾ [النساء: 36]. وفي سورة الإسراء في الكلام على قوله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ ﴾ [الإسراء: 23].

﴿ وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ أي: وأحسنوا بذي القربى واليتامى والمساكين، إحسانًا بالقول والفعل والبذل، وكف الأذى.

﴿ وَذِي الْقُرْبَى ﴾: صاحب القرابة، وعطفه على "الوالدين" من عطف العام على الخاص؛ لأن الوالدين أقرب القرابة، وأعظمهم حقًا، وكلما كان الشخص أقرب، فحقهُ أعظم وأوجب.

﴿ وَالْيَتَامَى ﴾ جمع يتيم أو يتيمة، وهو الذي مات أبوه قبل أن يبلغ ذكرًا كان أو أنثى، فإذا بلغ زال عنه اليتم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يُتمَ بعد احتلامٍ"[3]، مأخوذ من "اليتم" وهو الانفراد، ومنه سميت "الدرة اليتيمة". أي: وأحسنوا باليتامى، بالعطف عليهم وتوجيههم ومساعدتهم وحفظ أموالهم، والدفاع عنهم وأداء حقوقهم.

وقد أوصى الله عز وجل باليتامى، وأكد على وجوب رعايتهم والعناية بهم لشدة حاجتهم إلى من يعولهم وينفق عليهم ويربيهم، ويدافع عنهم ويحفظ أموالهم وحقوقهم، ولاسيما عندما تطغى الأنانية وحب الذات، ويشتد الجشع والطمع وتضيع حتى حقوق كثير من الأقوياء فكيف باليتيم الذي لا حول له ولا طول إلا برحمة أرحم الراحمين.

و﴿ وَالْمَسَاكِينِ ﴾: جمع مسكين وهو الفقير، المعدم، أو الذي لا يجد كفايته، سموا مساكين أخذًا من السكون وعدم الحركة؛ لأن الفقر أسكنهم وأذلهم؛ أي: وأحسنوا بالمساكين بمساعدتهم والعطف عليهم ونحو ذلك. وسيأتي بسط الكلام بأوسع من هذا على حقوق اليتامى والمساكين في مطلع سورة النساء.

﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83] } قرأ حمزة الكسائي ويعقوب وخلف بفتح الحاء والسين "حَسَنًا"، وقرأ الباقون بضم الحاء وإسكان السين ﴿ حُسْنًا ﴾.

بعد أن أمر بالإحسان المطلق إلى الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين وذلك يشمل نوعي الإحسان القولي والفعلي، أمر بالإحسان القولي لجميع الناس حيث أنه مستطاع لكل أحد، فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يسع الناس بماله فلا يعدم الإحسان بقوله الطيب الحسن وخلقه الحسن، وفي الحديث: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحُسن الخُلق"[4].

قال المتنبي[5]:
لا خيل عندك تهديها ولا مال عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
فليُسعد النُّطق إن لم يُسعد الحال عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]

عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]


أي: وقولوا للناس قولًا حسنًا طيبًا لينًا، ويدخل في ذلك دعوتهم إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، ومجادلتهم بالتي هي أحسن، كما قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن ﴾ [النحل: 125].

ويدخل فيه أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتعليمهم العلم، وبذل السلام، والبشاشة، وكل كلام طيب، والبعد عن الكلام القبيح والفاحش والبذي مع الناس، حتى مع الكفار، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [العنكبوت: 46].

وفي الحديث: "الكلمة الطيبة صدقة"[6]، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يحب الفاحش أو يبغض الفاحش والمتفحش"[7].

وفي الحديث: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا، وكان يقول: إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا"[8].

﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [البقرة: 83] أي: وأقيموا الصلاة إقامة تامة فرضها ونفلها بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها.

﴿ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ أي: وأعطوا الزكاة لمستحقيها.

وفيه دلالة على فرض الصلاة والزكاة على بني إسرائيل ممن كان قبلنا، وخص الصلاة والزكاة لمكانتهما من العبادة والإحسان، وكونهما من أعظم ما يعين على ذلك، ففي الصلاة الإخلاص للمعبود، وفي الزكاة الإحسان إلى العبيد.

﴿ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ ﴾ [البقرة: 83] الخطاب لبني إسرائيل جميعًا بتغليب أخلافهم على أسلافهم، أو للمعاصرين منهم، فهذا تعميم للخطاب بتنزيل الأسلاف منزلة الأخلاف، كما أنه تعميم للتولي بتنزيل الأخلاف منزلة الأسلاف للتشديد في التوبيخ[9].
و"التولي" يكون بالبدن.

﴿ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ ﴾ بقوا على العهد والميثاق.

﴿ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ الجملة حالية، أي: والحال أنكم معرضون، والإعراض يكون بالقلب، فجمعوا بين التولي بالأبدان والإعراض بالقلوب، والمعرض بقلبه- في الغالب- لا أمل في رجوعه؛ قد سد أذنيه خوفًا من سماع الحق، فلا فائدة فيه.

والمعنى: ثم توليتم بأبدانكم حال كونكم معرضين بقلوبكم عن العمل بما أمرتم به في هذا الميثاق الذي أخذ عليكم، من إخلاص العبادة لله تعالى، والإحسان إلى الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين، وقول الحسنى للناس، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة.

المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »

[1] أخرجه أبو داود في اللباس (4090)، وابن ماجه في الزهد (4174)- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[2] انظر: "البحر المحيط" (3/ 174).

[3] أخرجه أبو داود في الوصايا (2873) من حديث علي رضي الله عنه.

[4] أخرجه البزار من حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيما ذكره ابن حجر في شرحه لحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا" في كتاب الأدب (6035)، وقال ابن حجر عن حديث أبي هريرة: "بسند حسن".

[5] انظر: "ديوانه" بشرح العكبري 3/ 276.

[6] أخرجه البخاري في الجهد والسير (2891)،ومسلم في الزكاة (1009) ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[7] أخرجه أحمد (2/ 162)، والترمذي في البر والصلة (1975)- من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

[8] أخرجه الترمذي في البر والصلة (2018) وقال "حديث حسن غريب".

[9] انظر "روح المعاني" (1/ 309).







الألوكة

ابو يحيى 08-01-2022 10:57 AM

رد: تفسير قوله تعالى ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إ
 
جزاك الله خير الجزاء
ونفع بك وبعلمك


الساعة الآن 11:27 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant