منتديات الحقلة

منتديات الحقلة (http://www.alhaqlah.com/index.php)
-   منتدى القرآن الكريم والتفسير (http://www.alhaqlah.com/forumdisplay.php?f=89)
-   -   تفسير قوله تعالى: ﴿ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَ (http://www.alhaqlah.com/showthread.php?t=127008)

طالبة العلم 10-10-2021 12:06 PM

تفسير قوله تعالى: ﴿ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَ
 
تفسير قوله تعالى:

﴿ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ[البقرة: 66].


قوله تعالى: ﴿ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ[البقرة: 66].

الضمير في "فجعلناها" مفعول أول لـ "جعل" يعود للعقوبة المذكورة، و"نكالًا" مفعول ثانٍ؛ أي: فصيَّرنا عقوبتهم بمسخهم قردة خاسئين نكالًا.

ويحتمل عود الضمير في "جعلناها" إلى القرية؛ بدليل قوله تعالى في سورة الأعراف: ﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ ﴾ [الأعراف: 163].

والنكال: العقوبة التي يعاقَب بها مرتكب المعصية، فتكون نكالًا له من العود إلى المعصية مرة أخرى، ونكالًا لغيره من فعلِها؛ أي: ما يرتدع به وينزجر ويمتنع عن مثل ذلك الفعل هو وغيره، كما قال تعالى عن فرعون: ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ﴾ [النازعات: 25]، وقال تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 38]، والنكل والنكال: القيد، قال تعالى: ﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا ﴾ [المزمل: 12]؛ أي: لدينا قيودًا.

﴿ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا: "ما": موصولة؛ أي: للذي بين يدَيِ القرية، أي: للذي أمامها وحولها وقريبًا منها من القرى وأهلها، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الأحقاف: 27]، ﴿ وَمَا خَلْفَهَا ﴾ أي: والذي خلفها؛ أي: بعيدًا منها من القرى وأهلها.

ويحتمل أن المعنى ﴿ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا ﴾من القرى الحاضرة آنذاك وأهلها، ﴿ وَمَا خَلْفَهَا ﴾ من يأتي بعدهم، ويكون ﴿ خَلْفَهَا ﴾ هنا بمعنى: أمامها، كما في قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴾ [الكهف: 79]؛ أي: أمامهم.

وعلى احتمال أن الضمير يعود إلى العقوبة يكون معنى ﴿ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا ﴾أي: ما كان حاضرًا وقت العقوبة، ﴿ وَمَا خَلْفَهَا ﴾: من يأتي بعد ذلك.

وقيل: المعنى: وجعلنا هذه العقوبة ﴿ نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا ﴾؛ أي: لما قارنها من معاصيهم، ﴿ وَمَا خَلْفَهَا ﴾؛ أي: وما سبقها.

﴿ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ؛ أي: عظة وعبرة كونية قدَريَّة، وتذكرة للذين يتقون الله. وإنما خصهم بالموعظة؛ لأنهم هم الذين ينتفعون بالآيات دون من عداهم، فهم كما قال الله تعالى عنهم: ﴿ وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ ﴾ [الطور: 44].

والسعيد من وُعظ بغيره، فالحِيَل لا تجعل من الحرام حلالًا، بل تضاعِف الجرمَ والإثم والعقوبة، وإذا كان الله عز وجل عاقب بني إسرائيل بهذه العقوبة المشينة بسبب احتيالهم في السبت، فليحذر الذين يتحايلون من المسلمين اليوم بأنواع الِحيَل على فعل الحرام وأخذه من الربا وغيره من التعاملات المحرمة والمشبوهة، مما قد يفوق ما فعَله بنو إسرائيل من الاعتداء في السبت، وفي الحديث: ((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل))[1].

الفوائد الأحكام:
1- كمال عدل الله عز وجل وأنه لا يظلم أحدًا، بل يجازي كلًّا بعمله؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 62].

2- الاحتراز في القرآن الكريم؛ لأن الله عز وجل بعد أن ذكَرَ ما عاقب به بني إسرائيل من ضرب الذِّلة والمسكنة عليهم، وغضبه عليهم بسبب كفرهم بآيات الله وقتلهم النبيين وعصيانهم واعتدائهم، أَتْبع ذلك بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا ﴾ الآية؛ لبيان أن مَن آمَن منهم ومن غيرهم من الأمم بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن باب التوبة مفتوح لهم ولغيرهم.

3- فضل هذه الأمَّة على سائر الأمم؛ لأن الله قدَّمهم في الذكر في الآية، وخصهم باسم "الذين آمنوا".

4- أن الإيمان بالله هو أصل الإيمان وأعظم أركانه؛ لأن الله قدَّمه على الإيمان باليوم الآخر؛ لقوله تعالى: ﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [البقرة: 62].


5- أن الإيمان باليوم الآخر من أعظم أركان الإيمان؛ لأن الله عز وجل قرنه بالإيمان به سبحانه وتعالى، وخصهما بالذكر من بين أركان الإيمان به؛ وذلك لأن الإيمان باليوم الآخر من أعظم ما يحمل على العمل.

6- لا بد من الجمع بين الإيمان بالقلب وعمل الجوارح، بين إيمان الباطن والظاهر؛ لقوله تعالى بعد أن ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر: ﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ [البقرة: 62]، وفي هذا الرد على المرجئة الذين يقولون: يكفي مجرد الإيمان.

7- أن من شرط قبول العمل كونَه صالحًا؛ خالصًا لله تعالى وفق شرعه.

8- عِظَم ما أُعِدَّ من الأجر والثواب لمن آمن بالله واليوم الآخر؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 62]، ومما يزيد في عظمة هذا الأجر كونه عند ربهم سبحانه، وفي هذا كله ترغيب بالإيمان بالله واليوم الآخر.

9- إثبات ربوبية الله الخاصة لمن آمَن بالله واليوم الآخر؛ لقوله تعالى: ﴿ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ [البقرة: 62].

10- أن جزاء المؤمنين منه ما هو جلبُ محبوب، ومنه ما هو دفع مكروه؛ لقوله تعالى:﴿ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾، وإذا جُلِبَ المحبوب وهو: الأجر وأنواع النعيم، ودُفِعَ المكروه وهو: الخوف والحزن، كملت السعادة.

11- تذكير الله لبني إسرائيل بما أخذ عليهم من الميثاق، ورفع الطور فوقهم؛ تخويفًا لهم، وأمرهم بالأخذ والعمل بالتوراة بقوة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ﴾ [البقرة: 63].


12- شدة عتوِّ بني إسرائيل، حيث لم يؤمنوا إلا حين رفع فوقهم الطور كأنه ظُلَّة، أشبه بإيمان المكره.

13- في رفع الطور فوقهم آيةٌ عظيمة من آيات الله عز وجل، وتدل على كمال قوته وتمام قدرته سبحانه.

14- أن الهدف من أخذ الميثاق على بني إسرائيل، وأمرهم بالأخذ بالتوراة: أن يتقوا الله؛ لقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 63].


15- تولِّي بني إسرائيل عن الإيمان بعد أخذ الميثاق عليهم، وزوال تخويفهم برفع الجبل فوقهم، مما يدل على عنادهم، وعدم استقرار الإيمان في قلوبهم؛ لقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾ [البقرة: 64].

16- فضل الله عز وجل ورحمته لبني إسرائيل بما آتاهم من الآيات، وبعفوه عنهم وتوبته عليهم بعد نقضهم الميثاق، وتوليهم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [البقرة: 64].

17- إثبات الفضل والرحمة لله عز وجل وأن التوفيق بيده، وإثبات الأسباب وتأثيرها بمسبباتها؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾.

18- توبيخ بني إسرائيل في عهده صلى الله عليه وسلم، على عدم الإيمان به، وتحذيرهم من الاعتداء والمخالفة والعصيان، بتذكيرهم بما يعلمون من حال أسلافهم الذين اعتدوا في السبت بالتحايل على أخذ الصيد فيه، وعقوبة الله تعالى لهم بمسخهم قردةً وإذلالهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ [البقرة: 65].

19- السعيد من وُعظ بغيره.

20- تحايل اليهود على محارم الله عز وجل، فقد حرَّم الله عليهم صيد السمك في السبت، فوضعوا لها الشباك يوم الجمعة وأخذوها يوم الأحد.
21- شدة تحريم التحيُّل لتحليل الحرام؛ لأن الله سمى فعل بني إسرائيل اعتداءً ومسخهم بسببه قردة خاسئين؛ لأن فيه جمعًا بين فعل المحرَّم والخداع.

22- أن التحيُّل لا يجعل من الحرام حلالًا.

23- أن الجزاء من جنس العمل، فحيث ارتكب اليهود المحرم، وصوروه بالحيلة بصورة الحلال، عاقَبهم الله بمسخهم قردة تشبه الآدميَّ وليست بآدمي.

24- تمام قدرة الله تعالى، وأنه إذا أراد شيئًا قال له: كن فيكون؛ لقوله تعالى: ﴿ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ.


25- إثبات القول والكلام لله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ فَقُلْنَا لَهُمْ ﴾ الآية.

26- حقارة القردة، وأنها أخس الحيوانات.

27- جعل الله عز وجل هذه العقوبة التي عاقب بها بني إسرائيل، وهي مسخهم قردة خاسئين، نكالًا لغيرهم من ارتكاب مثل ما ارتكبوه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا ﴾ [البقرة: 66].


28- أن العقوبات والتعزيرات والحدود الشرعية نكالٌ وزجر للفاعل، ونكال وزجر لغيره من ارتكاب فعله.

29- أن فيما عاقب الله به بني إسرائيل عظةً وعبرة لمن اتقى الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 66].


30- فضل التقوى؛ لأن أهلها هم الذين يتعظون ويعتبرون وينتفعون بالمواعظ؛ ولهذا خصهم بها.

31- أن العبر والعظات والآيات منها ما هو شرعي كآيات القرآن الكريم، ومنها ما هو كوني كمسخ الذين اعتدوا في السبت قردة، وكالطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع والدم وغير ذلك.

[1] ذكره ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (1 /513). وذكر إسناده، وقال: "هذا إسناد جيد يصحح مثله الترمذي" وانظر "عون المعبود" مع شرح ابن القيم (9 /340)، وكذا جوَّد إسناده ابن كثير، انظر "تفسير ابن كثير" (1 /154).






الألوكة

ابو يحيى 10-10-2021 08:54 PM

رد: تفسير قوله تعالى: ﴿ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَ
 
جزاك الله خير الجزاء
ونفع بك وبعلمك


الساعة الآن 01:41 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant